جبار عبد الله الجويبراوي/
“أميري حسين ونعم الأمير،
سرور فؤاد البشير النذير،
عليٌ وفاطمة والداه،
فهل تعلمون له من نظير،
له طلعة مثل شمس الضحى،
له غُرة مثل بدر المنير.
كان الشيخ محمد علي اليعقوبي (1896 – 1965) من أبرز خطباء المنبر الحسيني الذين نشروا الوعي الإسلامي في مدينة العمارة، حتى وفاته رحمه الله تعالى. ومن أهم الحكايات التي تناولها اليعقوبي هي حكاية رأس الإمام الحسين (ع) بمدينة الناصرية، في مطلع الخمسينيات، عندما جاء شخص إلى مكتب المرجع الديني الكبير السيد محسن الحكيم في النجف الأشرف يخبره عن وجود صورة لرأس الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) في مدينة الناصرية، فانتدب السيد الحكيم ثلاثة من الشخصيات هم: الشيخ محمد علي اليعقوبي (1896 – 1965م)، والسيد محمد باقر الصدر (1935 – 1980 م)، والسيد محمد باقر الحكيم (1939 – 2003م) لزيارة مدينة الناصرية والاطلاع على الصورة.
يقول الشيخ اليعقوبي: توجهنا نحو مدينة الناصرية وزرنا دار ذلك الشخص الذي استقبلنا استقبالاً حاراً، وطلبنا منه رؤية صورة رأس الإمام الحسين (ع) فوافق وأحضرها أمامنا، أبهرتنا الصورة بجماليتها ودقة الفنان الذي رسمها. وسألناه عن كيفية حصوله على هذه الصورة؟ فقال: توارثناها أباً عن جَد، ولا أعرف تاريخ وصول تلك الصورة إلينا. واستطرد قائلاً: في كل يوم جمعة بعد صلاة الفجر نخرج الصورة وننظر إليها ونقرأ سورة الفاتحة، ثم نتوجه كل إلى عمله.
وأخيراً أخبرنا: “بعد هذا اليوم لن تروا الصورة، وسأختار مكاناً مجهولاً للسكن فيه، خوفاً على الصورة والرزق من الضياع!”
دم السماء
وفي وصف الصورة يقول الشيخ اليعقوبي: “وجهُ الإمام الحسين (ع) مدور وجميل جداً، وشعرهُ طويل أشيب، ولحيته وشاربه كثيفان، وجبهتهُ بارزة، وعيناه كحلاوان، وحاجباه أسودان، وأنفه جميل، وقد عض على شفته السفلى بأسنانه العليا التي بدت متفرقة، وهناك قطعة لحم من رقبته زائدة توحي بأن عملية قطع رأسه الشريف جرت من الخلف.”
وربما يسأل سائل: من الذي رسمَ الرأسَ الشريف؟
معظم الروايات تذكر: “في طريق السبايا إلى الشام رفعوا رأس الحسين (ع) على رمح حين مروا بصومعة راهب ليستريحوا، وفي أثناء الليل سمع الراهب تسبيحاً وتهليلاً ورأى نوراً ساطعاً يشع من الرأس المطهر، وسمع قائلاً يقول: “السلام عليك يا أبا عبد الله”، فتعجب الراهب وأصابته الدهشة. وعند الصباح استخبر من القوم عن صاحب هذا الرأس الشريف، فأخبروه أنه رأس الحسين بن علي بن أبي طالب، وأمه فاطمة بنت محمد النبي (ص)، فقال لهم: “تباً لكم أيها الجماعة، صدقت الأخبار في قولها إنه إذا قُتل أمطرت السماء دماً.”
وطلب منهم أن يقبّل الرأس فلم يجيبوه إلا بعد أن دفع إليهم كثيراً من الدراهم، ثم نطق الشهادتين وأسلم ببركة المذبوح. ولما ارتحلوا عن هذا المكان نظروا إلى الدراهم وإذا بها مكتوب عليها: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ.” سورة الشعراء، آية 227. وقيل إن عملية رسم الصورة كانت في تلك الصومعة.
شبيه رسول الله
أما ملامح وصفات الإمام الحسين (عليه السلام)، كما وردت في معظم المصادر، فإنها تشبه ملامح جده الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، إذ كان يماثله في أوصافه، كما كان يحاكيه في أخلاقه التي امتاز بها على سائر النبيين. وصفه محمد بن الضحاك فقال: “كان جسد الحسين يشبه جسد رسول الله (ص).” وقال الإمام علي (ع): “من سرَّه أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله ما بين عنقه إلى كعبه خلقاً ولوناً فلينظر إلى الحسين بن علي.”
لقد بدت على وجهه الشريف أسارير الإمامة، فكان من أشرق الناس وجهاً، كما يقول أبو كبير الهذلي:
“إذا نظرت إلى أسارير وجهه برقت كبرق العارض المتهلل.”
كما وصفه بعض المترجمين له بقولهم: “كان أبيض البشرة، فإذا جلس في موضع فيه ظلمة يهتدى إليه لبياض حسنه ونحره.” ويقول آخر: “كان له جمال عظيم، ونور يتلألأ في جبينه وخده، يضيء حواليه في الليلة الظلماء، وكان أشبه الناس برسول الله (ص).” بينما يصفه بعض الشهداء من أصحابه في رجز كان نشيداً لهم في يوم الطف يقول:
له طلعة مثل شمس الضحى
له غُرة مثل بدر منير
وكانت عليه سيماء الأنبياء، فكان في هيبته يحاكي هيبة جده التي تنحني لها الجباه. ووصف عظيم هيبته أحد الجلادين من شرطة ابن زياد بقوله:
“لقد شغلنا نور وجهه وجمال هيبته عن التفكير في قتله.”
لم تحجب نور وجهه يوم الطف ضربات السيوف، ولا طعنات الرماح، فكان كالبدر في بهائه ونضارته، وفي ذلك يقول الكعبي:
ومجرح ما غيرت منه القـــنا حسنا
ولا أخــــــلقـــــن منـــــــــه جــــديدا
قد كان بدراً فاغتدى شمس الضحى
مذ ألبستــــه يــــد الدماء بــــــرودا.