علي غني/
بعد انتهاء كل امتحانات وزارية لطلبة الإعدادية بفروعها كافة، تبدأ إعلانات الجامعات والكليات الأهلية بالظهور على جدران الحيطان والشوارع والتواصل الاجتماعي والفضائيات، بأشكال جاذبة، يرافقها تخفيض في المعدلات، في حين لم تستطع الجامعات والكليات الحكومية الترويج لنفسها.
هذه الحقائق يعرفها الداني والقاصي، لكن اللافت للانتباه هو تزايد هذه الجامعات والكليات في كل سنة، فلماذا هذا الزحف الممنهج للتعليم الأهلي على حساب التعليم الحكومي، على الرغم من الكلام الكثير عن ما يدور في الكليات الأهلية، أعرف أن الجواب سيكون صعباً، لكني أتساءل: ما هو الجزء المفقود في التعليم الحكومي في العراق ليتجه الطلبة نحو التعليم الأهلي؟
أرباح وفيرة
ربما يكون جواب الاستاذ الدكتور (موسى الموسوي)، رئيس مجلس الحكماء للحوار والحوكمة / رئيس جامعة بغداد سابقا/ مقنعاً، فهو العارف بأمور وخفايا التعليم الجامعي، عندما عزا هذا التحول اللافت للتعليم الجامعي الأهلي في العراق والتوسع فيه بعد عام ( ٢٠٠٣ ) الى أن “وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وجامعاتها ومعاهدها كافة، استنفدت إمكانياتها لاستيعاب الأعداد المتزايدة من مخرجات وزارة التربية، ولم تعد هناك إمكانية لقبول المزيد من خريجي الثانوية، وقد ساعد إنشاء الكليات والجامعات الأهلية والخاصة في استيعاب الزائد من الخريجين الذين لم يستطيعوا الحصول على القبول المركزي في الوزارة وإيجاد مقاعد دراسية تتناسب مع رغباتهم.”
وتابع (الموسوي): “أقول لك حقيقة أن التعليم الأهلي استطاع أن يوظف الأجور الدراسية التي يستوفيها من الطلبة (وهي مرتفعة نسبياً) واستثمارها في إنشاء أبنية وقاعات دراسية ومختبرات علمية تحتوي على أجهزة مختبرية حديثة تفتقر إليها الجامعات الرسمية، بسبب قلة التخصيصات المالية، إذ لم تتمكن معظم جامعاتنا من تحديث مختبراتها بالشكل الطموح.”
واشار إلى أن “هذه النقاط سجلت للتعليم الأهلي، ما دفع المستثمرين إلى إيجاد فرص لا تتكرر للاستثمار في التعليم، من حيث الأرباح الوفيرة التي تغطي رواتب التدريسيين والموظفين والعاملين وما تحتاجه الكلية من ساحات وحدائق ومطاعم وحوانيت.”
ويرى البروفيسور الموسوي، الذي شغل منصب رئيس الجامعة الأم (بغداد) لسنين عديدة، أن “قرارات الدولة القاضية بإحالة المئات من التدريسيين إلى التقاعد المبكر ساعدت في استقطابهم إلى التعليم الأهلي وإنعاش الأداء، وظهر النقص واضحاً في الجامعات الرسمية بسبب خسارتهم لهذه الملاكات القديرة، فقد أثر ذلك كثيراً على أداء التعليم الرسمي.”
تنظيم الاستثمار
وقد تكون ندوة (النجف الأشرف)، عن مشكلات التعليم الجامعي الخاص، قد شخصت أموراً عديدة ، كما يرى الدكتور (عبد الأمير كاظم) أحد متحدثي الندوة، الذي تطرق إلى “ضرورة تنظيم الاستثمار في التعليم الجامعي الخاص، ومن له الأهلية في أن يكون مستثمراً في تأسيس كلية أو جامعة أهلية تكون بمستوى تطبيق الرؤى والأعراف في الجامعات الرصينة.”
على جانب آخر، تحدث الدكتور (عبد علي الخفاف) عن مشكلة خروج التعليم الجامعي العام والخاص عن منظومة النظام الاقتصادي الذي يستند إلى رؤى وفلسفات واضحة، التي لا ينبغي أن تؤثر سلباً على واقع التعليم, فيما نجد أن التعليم الأهلي نحا إلى (تسليع) العلاقة بين الطالب والمؤسسة التعليمية, ما أدى إلى تشويه التعليم.”
فيما وجد الدكتور (كامل علاوي) -في أثناء مداخلته- أن “التعليم الخاص بات ضرورة ملحة في ظل عدد المتخرجين من التعليم الثانوي وعدم قدرة التعليم العام على استيعاب تلك الأعداد, فضلاً عن مشكلة أعضاء الهيئات التدريسية في الكليات الأهلية من ناحية المستوى, فهم إما متقاعد أو مبتدئ, وكذلك دعا إلى أهمية إقامة مجالس ضمان الجودة ومنحها صلاحيات أوسع, وإعادة النظر في القيادات الجامعية لتلك الكليات, ورجح فكرة الاستقلال الجامعي.”
نشر المعرفة
وأعترف أن الدكتور (حيدر العبودي)، مدير العلاقات والإعلام في وزارة التربية والناطق باسم الوزارة، على الرغم من مشاغله العديدة، خصص لنا الوقت الكافي للإجابة عن أسئلتنا، ولم يبخل علينا بأية معلومة، اذ قال: “تهدف الجامعات والكليات الأهلية بموجب قانون رقم 25 لسنة 2016 إلى توفير الفرص الدراسية الجامعية الأولية والعليا لغرض الإسهام في إحداث تغييرات كمية ونوعية في الحركة العلمية والثقافية والتربوية في المجتمع العراقي، ونشر المعرفة والقيام بالبحث العلمي وتشجيعه وتطوير المنهج العلمي.”
وتابع: “تخضع الجامعات والكليات الأهلية إلى إشراف وتقويم وزارة التعليم لضمان تنفيذ الأهداف المنصوص عليها في القانون والحفاظ على مستوى كفاءة الأداء، والسير على وفق ذات التعليمات والضوابط المعمول بها في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.”
واشار إلى أنه “على هذا الأساس فإن الجامعات والكلية الأهلية جرى ترخيصها على وفق هذا السياق، ووصلت أعداد الجامعات منها إلى (21) جامعة، والكليات الأهلية الجامعة إلى (50) كلية، وأن الاختصاصات التي تضطلع هذه المؤسسات بتدريسها هي من الاختصاصات التي تحتاجها عملية التنمية في العراق، ويحدد ذلك من قبل لجنة مختصة في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالتنسيق مع وزارة التخطيط.”
مجلس ومهام
“ولا تتصور أن الأمور فوضى في التعليم الأهلي، إذ إن هناك مجلساً يسمى (مجلس التعليم العالي الأهلي) يترأسه رئيس جهاز الإشراف والتقويم العلمي في الوزارة، أو أحد وكلاء الوزارة، بتكليف من السيد الوزير، يضم خمسة من رؤساء الجامعات الأهلية وأربعة من عمداء تلك الكليات غير المرتبطة بجامعة، واثنين من عمداء المعاهد الأهلية، فضلاً عن المدير العام لدائرة الدراسات والتخطيط والمتابعة، والمدير العام لدائرة البحث والتطوير، ومدير التعليم الأهلي في الوزارة. وكل هذا الكم الهائل من المسؤولين الذين يديرون هذا المجلس يدرسون الأداء في الكليات الأهلية، ويقترحون خطة التعليم الأهلي بما ينسجم وخطة التعليم في العراق والمصادقة على عدد الطلبة المقترح قبولهم سنوياً في الجامعة أو الكلية أو المعهد، والموافقة على مقدار الأجور الدراسية السنوية المقترحة ورفعها إلى الوزارة، والمصادقة على المناهج الدراسية المقترحة من الجامعة أو الكلية أو المعهد بعد إقرارها من اللجان القطاعية المختصة.”