ترجمة: آلاء فائق/
يترقب الصائمون بفارغ الصبر، مع نهاية صيام كل يوم رمضاني، سماع دوي الطوب (المدفع) كمؤشر ترحيب بهذا الشهر الفضيل، وكإعلان لإفطار الصائمين عند غروب الشمس.
الكثير من الدول العربية والإسلامية اعتادت على إطلاق المدافع وقت الإفطار..
رغم تضارب الروايات القديمة حول أصل عادة إطلاق المدافع العتيقة التي تطلقها الشرطة وقتي الإفطار والإمساك، غير أن جميعها تشير الى أن أصولها انطلقت من القاهرة، حيث يذكر أن أحد سلاطين المماليك في القرن الـ15 اختبر مدفعاً أهداه له أحد الملوك، وأطلقه عند غروب الشمس في رمضان، ومن حينها اعتمده سكان القاهرة كمؤشر معتمد للإفطار.
يذكر أن الباشا محمد علي (مؤسس مصر الحديثة) قد استورد مجموعة من المدافع، أحدها من ألمانيا، ونصبه فوق قلعته، ليطلق قذيفة وقت السحور وأخرى وقت الإفطار؛ ومنذ ذلك الحين أصبحت إمساكية رمضان والمدفع من أهم مظاهر الاحتفال بالشهر الكريم.
في البداية كانت معظم الدول تعتمد على أذان المؤذن وعلى قارع الطبول (الدمام)، لكن عندما لا يكون الأذان وقرع الطبول عاليين بما يكفي، فيمكن استخدام مدفع رمضان، إذ يطلق المدفع لإخطار المسلمين بوقت الإفطار، من ثم يصدح مؤذنو الجوامع ليصل صدى أذانهم مسامع الصائمين في أنحاء المدينة.
بدايةالقصة
سواء أكانت هذه القصة واقعية أم من الفولكلور، فإن من الصحيح أن نقدم الكتابات الأوربية حول تقليد مدفع الإفطار، التي تعود جميعها إلى خمسينيات القرن التاسع عشر، إذ ذكر (كريستوفر أوسكانيان) في كتابه (السلطان وشعبه) أن بداية القصة كانت في مصر أيام الباشا محمد علي، ثم انتشرت عادة إطلاق المدافع في بلاد الشام وصولاً الى المناطق العثمانية الأساسية المطلة على الجانب الأوربي لمضيق البوسفور، بما في ذلك إسطنبول والبلقان.
مدفع الحاجة فاطمة في مصر
أحد التقاليد الشائعة المتبعة سنوياً في مصر هو مدفع الإفطار، حيث أخرجت السلطات مدفعاً ألمانياً من طراز كروب عيار 75 ملم صنع عام 1904، يُلقبه المصريون بـ (الحاجة فاطمة)، نسبة الى زوجة (سيف الدين خوشقدم). تقول القصة الشعبية إن خوشقدم لم يكن حينها في المنزل عندما جاء كبار أعيانه لتهنئته باستخدام المدفع، فرحبت بهم زوجته الحاجة فاطمة وأوصتهم بالحفاظ على هذه العادة سنوياً، وأمرت بتسمية المدفع على اسمها. كان المدفع يُطلق الذخيرة الحية من قلعة القلعة في القاهرة حتى عام 1859، وبعد اكتظاظ المنطقة بالسكان اضطرت السلطات لاستخدام العيارات الفارغة.
عامل جذب سياحي
تشتهر دبي بالحداثة والابتكار. مع ذلك، خلال رمضان، تعود المدينة بالزمن الى الوراء لتحتضن تقليد إطلاق مدفع الإفطار الذي يبلغ عمره قروناً، فمع الغروب تمتلئ الأجواء بصوت نيران المدافع، كإشارة للصائمين كي يفطروا.
أول استخدام لمدفع رمضان بدبي كان في ستينيات القرن الماضي خلال عهد راشد بن سعيد آل مكتوم (1958 – 1990). وثقت هذه الممارسة كذلك لدى دول أخرى في شبه الجزيرة العربية، كقطر واليمن والبحرين، ويمكن ملاحظتها في المناطق ذات الأغلبية المسلمة في شبه القارة الهندية.
يعد مدفع الإفطار جزءاً أساسياً من ثقافة وتقاليد دولة الإمارات العربية المتحدة، ولا يزال مطبقاً حتى يومنا هذا في دبي. يُطلق مدفع الإفطار من برج خليفة. والمدفع هو نسخة طبق الأصل عن المدفع العتيق الأصلي، الذي كان يستخدم للإشارة الى نهاية الصيام في العصور القديمة. في السنوات الأخيرة، أصبح مدفع الإفطار نقطة جذب سياحية شهيرة، حيث يتدفق الزوار الى دبي لرؤية المشهد، كما اعتمد هذه التقليد الرمضاني الجميل لاحقاً بالشارقة في عهد الحاكم صقر بن سلطان القاسمي (1951 – 1965).
مدفع القدس
في القدس، قدم الجيش البريطاني مدفع (هاوتزر) أمريكي الصنع الى السلطات المحلية في عام 1945، جرى إطلاق المدفع في القدس من على قمة (جلجثة جوردون)، المعروفة لدى العرب بمقبرة الساهرة. في العام 1996، توقف إطلاق المدفع عندما توقف مورد البارود (برام الله) عن العمل، ولأن السلطات الإسرائيلية ترفض إتاحة البارود لهذا الحدث، فقد استخدمت الألعاب النارية من الأنابيب المثبتة بجانب مدفع الهاوتزر بدلاً عن ذلك.
حظر المدفع في البوسنة
في البوسنة، تطلق المدافع قذائفها خلال شهر رمضان من قلعة (زوتا تابيجا) في سراييفو، وعلى الرغم من حظره خلال الفترة الشيوعية، إلا أن سكان (سراييفان) والسياح يجتمعون على حد سواء هناك بفارغ الصبر لمشاهدة إطلاق المدفع والاستمتاع بوجبة الإفطار. منذ عام 1997، أصبح إسماعيل كريفيتش (مدفعي رمضان في سراييفو) مسؤولاً عن إطلاق البارود الاحتفالي.
مدفع قلعة (براديش) الهندية
ثمة مدفع قديم ذو مدقة واحدة في حصن (ريسن)، وهي قلعة تقع على قمة تل في ولاية (ماديا براديش) الهندية. في شهر رمضان يوضع المدفع القديم في أعلى نقطة من القلعة، ويُجهز لإطلاق نحو 300 غرام من البارود. حرصت السلطة الهندية على اتباع هذا التقليد في عهد نواب بوبال (1707-1949)، وهم سلالة من الملوك المسلمين المستقلين الذين خدموا في ظل الإمبراطورية المغولية، وبعد ذلك في الإمبراطوريتين المراثا والبريطانية.
الحنين الى الماضي
مثله مثل عادات كثيرة في منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، يعد مدفع رمضان جزءاً من تقليد يعود عمره الى قرون مضت، ظل حياً من خلال الحنين الى الماضي والفخر بتراث ديني وثقافي غني. ولكن، كما هو الحال أيضاً مع أشياء كثيرة في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، غالباً ما يكون مدفع رمضان عرضة لأهواء ومزاج أهل المنطقة، وغالباً ما يكون هذا التقليد من بين أول الأمور التي يجري التخلي عنها عند اندلاع الحروب الأهلية.
*عن موقع / أولتاما بروجكت