ضحى مجيد سعيد/
عندما تتجول فيها، فإنك لا تستطيع أن تبتعد عن التأمل والاستمتاعِ بجمال طبيعتها الخلابة وأجوائها الساحرة المليئة بألوان الجبال والسفوح الخضر والأشجار. هذه الطبيعة الربانية الجاذبة لأنواع عديدة من الطيور المحلقة في سمائها، أو المسترخية على سفوحها وأشجارها،
فضلاً عن الحيوانات الأليفة التي تعيش على أراضيها، والحياة الريفية النقية الهادئة البعيدة عن صخب المدن وأجوائها الملوثة، والصناعات اليدوية المحافظة على التراث والفلكلور القديم، المميزة بجمالها وبدائيتها وأصالتها، كل ذلك جعل هذه المدينة قبلة للسياح الباحثين عن هذا الذوق العالي من الإحساس بالطبيعة النقية وحب الاستمتاع بالجمال الأصيل. إننا نتحدث عن مدينة (هورامان) الشمالية المحاذية للحدود الإيرانية، منطقة جبلية تقع ضمن محافظتي كردستان وكرمانشاه في غرب إيران وفي شمال شرق إقليم كردستان العراق، وتقع على هذه السلسلة مدن مريوان وباوة في الجانب الإيراني، ومدينة حلبجة وناحية خورمال في الجانب العراقي.
أشجار كثيفة
خلال جولتنا وتأملنا فيها، التقينا عدداً من أصحاب الحرف التي تمتاز بها هورمان، الذين حدثونا عن طبيعة أعمالهم وحرفهم وأدواتهم البدائية التي تنتج أجود أنواع المأكولات والصناعات الفلكلورية الأخرى.
(سرهنك علي بابير)، البالغ من العمر أربعين عاماً، صاحب أحد البساتين في هورامان يقول: “عادةً عندما يذكر الجوز تذكر مدينة هورامان لكثرة زراعته فيها، إذ إن من المعروف أن هذه المنطقة تُنتج ألذ أنواع الجوز الهورامي، هذه المنطقة وما تملكه من جمال طبيعتها وأشجارها الكثيفة وسفوحها الخضر ومياهها النقية، إضافة إلى أنواع الطيور المختلفة، عوامل ساعدت على جذب السياح والمواطنين إلى المنطقة.” مضيفاً أنها “منطقة غنية بالمحاصيل الزراعية، مثل الرمان والمشمش والتوت، ولاسيما الجوز في فصل الخريف، الذي تبدأ عملية جنيه للفترة من 15 أيلول حتى 15 تشرين الأول.” مشيراً إلى إدراجها كمنطقة ضمن لائحة التراث العالمي لما تحتويه من قدم تاريخي وطراز معماري ونمط للحياة الريفية، خصوصاً أن هذه المنطقة الجبلية تمتد على الحدود العراقية الإيرانية التي تبعد نحو ١٠٠ كيلو متر عن مدينة السليمانية.
مشيراً إلى أن “محافظة حلبجة تضم مايقارب الـ 85 ألف شجرة جوز و12 ألف دونم من البساتين المثمرة غالبيتها في منطقة هورامان، ولا توجد إحصائيات دقيقة حول إنتاج الجوز، لأنه يُباع بطرق مختلفة وليس عبر (علوة) الخضار الرئيسة.”
تراث فلكلوري
بدوره، يحدثنا السيد (ستار أحمد هورامي)، صاحب محل لصناعة وبيع (الكَيوة)، إحدى الحرف اليدوية الفلكورية التي تمتاز بها المدينة قائلاً: إن “صناعة (الكيوة) أو (الكلاش) – كما تحلو للبعض تسميتها – تشتهر بها مدينه هورامان، إذ إن هذه الحرفة اليدوية التقليدية نشأت في هورامان، ولم تزحف إليها عجلة التكنلوجيا، وتنتشر هذه الحرفة كثيراً في المناطق الشمالية للعراق وإيران وتركيا، ولا تزال موجودة ولها مقتنوها على الرغم من قدمها، وهي تدخل ضمن التراث الفلكلوري الذي لا يزال يصارع الحداثة، ولا توجد معلومات دقيقه حول تأريخ نشأة هذه الصناعة اليدوية أو هذه الحرفة المحلية، لكن المصادر تُشير إلى قرون قبل الميلاد، وكانت على ما يبدو ضمن اللباس التقليدي الفلكلوري.”
وأشار ستار إلى أن “هذه المدينة تقع على الحدود العراقية الإيرانية، وما زالت تُحافظ على صناعة (الكيوة) كموروث شعبي قديم، ويعتمد أهالي المدينة على هذه الصناعة كمورد مادي، لكونهم ممن احترفوا صناعتها وامتازوا بها وخبروا خبايا الصنعة أباً عن جد، وبسبب أن الطلب عليها تجاوز القدرة الصناعية المحلية، اضطر بعض التجار إلى اللجوء إلى المستورد الصيني، الذي تجري صناعته بالآلة لسد النقص في السوق.”
صناعات غذائية
وعن صناعة دبس الرمان المحلية المميزة التي اشتهرت بها هورامان، حدثتنا السيدة (نريمان أحمد صادق) قائلةً: إن “دبس الرمان صناعة تقليدية تزدهر في المدينة، وهي مهنة متوارثة عبر الأجيال، تنتشر عادة في المناطق الزراعية التي تكثر فيها بساتين الرمان، وتعد إحدى الصناعات الغذائية التقليدية المهمة.”
وللوقوف على كيفية صنع دبس الرمان وفوائده لصحة الإنسان، التقينا السيد (إبراهيم محسن الهورامي -55 عاماً)، أحد المختصين بصناعته الذي قال: إن “صناعة دبس الرمان حالها كحال بقية المِهن المتوارثة عبر الأجيال في هورامان، لكن هذه المهنة لا تزال بدائية ، لأنها ما تزال تعتمد على الأدوات البسيطة والمنزلية، كما أن هذه الصنعة لا تقتصر على المناطق الحدودية بين العراق وإيران، بل إن هنالك مناطق في محافظات العراق الأخرى أيضاً تمتاز بإنتاجها العالي وجودة محاصيلها من الرمان، وأن ما يميز صناعة دبس الرمان في هورامان، جودة المحصول، فضلاً عن أنه مركّز إذ يستخلص من عصير فاكهة الرمان الطازجة، ولا تضاف إليه أية مواد مُصنَّعه تؤثر على تركيبته الغذائية ، وهذا ما يجعله مميزاً عن غيره.”