بغداد: علي غني/
ولد عمر محمد خضير، الطالب بمدرسة الموهوبين في الأنبار عام (2011)، ومنذ ولادته رافقه مرض نزف الدم الوراثي (الهيموفيليا)، وهو مرض نادر جداً سببه عدم وجود المادة التي تساعد على تخثر الدم، الذي كان من الصعب تشخيصه من قبل الأطباء لندرة وجوده، ويحتاج المصاب به إلى جرع علاج يومية لكي يتوقف النزف.
قصة ألم ونجاح
كان وجود المرض بالنسبة لعائلته صدمه كبيرة (كما يقول والد عمر، المنتسب في وزارة الداخلية)، لأنهم لا يستطيعون التعامل مع طفل عمره بضعة أيام ويعانون من استمرار نزفه، حينها كانوا يدورون به من مشفى الى آخر.
يوضح والد عمر تلك المعاناة فيقول: “اضطرّتني الظروف لترك أولادي الصغار، أنس كان بعمر خمس سنوات، وعبد الله بعمر ثلاث سنوات، بعهدة أمهم ربة البيت، وربما لا تصدق إذا قلت لك إنه أجريت له عملية في الرأس وهو في عمر (20) يوماً، وقتها لم يكن العلاج متوفراً داخل العراق، لذا اضطررنا لشراء العلاج من الخارج لإتمام العملية، وكان ثمن الحقن (22) مليون دينار لـ (6) حقن فقط، لذا دفعتنا الحاجة لأن نستدين المبلغ لشرائها، لأن حياته كانت متوقفة عليها، لم تكن لدينا معلومات كافية عن التعامل مع هذا المرض الصعب، لكن تعلمنا بعد العملية أنه لا يمكننا شراء الحقن باستمرار لأنه سيحتاجها طول فترة حياته، ومن هنا بدأنا نذهب الى مستشفيات المحافظات للحصول على هذا العلاج، وتحول كل يوم من حياتنا الى خوف ورعب ودم.”
رحلة المرض
من جانبها، تروي والدة الموهوب عمر معاناتها بسب مرض ابنها: “كل أيامي كانت مع عمر، أدور به في المستشفيات، كل أسبوعين أو ثلاثة نخرج يومين أو أكثر، ثم ينتكس، فنرجع لندخله المستشفى، بحيث نسي أولادي أن عندهم أم، بل ونسوا حتى شكلي.”
وتابعت: “استمر هذا الحال ما يقرب من سنة ونصف السنة، حين بدأنا نستوعب هذا المرض ونتعايش معه، كما بدأت رحلتنا مع معاناة إيجاد الوريد في ذراعه لوضع الـ (كانيولا) يوميا إذ كان من الصعوبة إيجاد الوريد، لذا كانوا أحياناً يضعونها في رأسه أو في خده أو أصابع يده أو رجله، وكل مكان من جسمه، فكانت طفولته معاناة مستمرة، وكانت معاناتي أكثر منه. وهكذا مرت الأيام وتعايشنا مع المرض، وبدأ عمر يكبر مع النزف والدم والألم حتى بلغ الخامسة من عمره، وحينها اكتشفنا أنه (بفضل الله) ذكي جداً حين كان يدرس مع إخوته.”
معاناة الروضة
أرادت أم عمر إدخال ابنها الى الروضة لكي تساعده على الاندماج مع المجتمع ويستطيع إكمال دراسته، وألا يحرم من أي شيء بسبب المرض، لكن رياض الأطفال لم تستقبله، لأنهم كانوا يخافون من حالته المرضية، وتعبت والدته كثيراً، لكنها بالمصادفة وجدت روضة تستقبله، لكنهم اشترطوا على والده التوقيع بأنهم غير مسؤولين عن أي حادث يجري له داخل الروضة. لذلك كانت أم عمر ترافق ابنها في غالب الأحيان، حتى أكمل عمر الروضة بحماس وتحدٍّ، كذلك كان حريصاً ومحباً للمدرسة، فعندما وصل إلى الصف الثالث الابتدائي تقدم للدخول الى مدرسة الموهوبين، وهنا كانت المفاجأة، فقد استطاع أن ينجح في جميع الاختبارات من بين (500) طفل.
اكتشاف الموهبة
وعند دخوله مدرسة الموهوبين (والكلام لوالدته)، بدأت تنمو لديه موهبة البرمجة، التي تعلمها من خلال دورات (أون لاين)، فأبدع فيها، ويوماً بعد يوم باتت تتطور موهبته، ودخل في دورات أكثر بهذا المجال رغم صعوبته، لكن إصراره حفز أهله، كما شارك في مسابقات وورش ومعارض للذكاء الاصطناعي والبرمجة في معظم المحافظات. وعلى الرغم من عدم وجود الدعم، إذ كان أهله يصرفون عليه في الدورات، لكنه حقق انتصارات عديدة، وتوسعت مشاركاته في العديد من الدول العربية، حتى أنه نال جائزة أفضل مكتشف في الوطن العربي، وكبر إصراره على التحدي بالرغم من المرض وفقر الحال.
أفضل مكتشف للروبوت
أعود للطالب عمر محمود ليحدثنا عن موهبته في مجال الذكاء الاصطناعي والروبوت، فيقول: “استطعت ابتكار (4) أجهزة لحل مشكلات موجودة في الواقع، منها جهاز إنذار لحماية الأطفال داخل السيارة، وجهاز إنذار يحمى الأطفال، وجهاز تنبيه الكفيف إذا كان هناك عائق أمامه، وتطبيق إنذار الحرائق في الغابات، كذلك حصلت على لقب أفضل مكتشف بالوطن العربي في البطولة العربية للروبوت في دولة قطر، كما شاركت في مسابقة تحدي المخترعين في أمريكا في مدينة غراند رابيد في ولاية مشيغان، وحصلت أيضاً على المركز الأول في مسابقة الشرق الأوسط (فوانيس الموهبة والإبداع)، كذلك نلت تكريم العديد من الوزراء (التربية والصناعة والعمل والشؤون الاجتماعية والاتصالات، والعديد من المؤسسات الحكومية )، ومازلت أطمح بالكثير.”
مناشدة رئيس مجلس الوزراء
أريد أن أخبركم بما يجول في عقلي (والكلام للموهوب عمر)، أن المرض كان دافعاً للتميز والتفوق، ولأهلي حصة من هذا التفوق، ولاسيما والدتي، لأنها هي التي علمتني التحدي منذ صغري، ورسالة الى أقراني: أن الإعاقة هي إعاقة الفكر وليس الجسد، وعن المدة التي أقضيها في الدراسة كل يوم، التي تتراوح مابين (6) ساعات أو أكثر، ولاسيما أيام الامتحانات.
وناشد الموهوب عمر محمد رئيس مجلس الوزراء ووزيري التربية والصحة، بضرورة العناية الخاصة بمرضى (الهيموفيليا)، لأنهم معرضون للموت في أية لحظة، بتوفير الأدوية الخاصة بالمرض، وعدم تركهم لوحدهم يصارعون هذا المرض المميت، كما طالب بدعم الموهوبين والعلماء والمخترعين دعماً حقيقياً.
مجلة “الشبكة العراقية” حاولت الاتصال بالناطق الإعلامي لوزارة الصحة، لكنها لم تحصل على إجابة على الرغم من كل المحاولات.