رجاء الشجيري/
انتشار رائحة الكبريت، واحتراق الوقود الأحفوري، والتلوث الناجم عن مصافي النفط والمحطات الصناعية، باتت مشكلات تؤثر على صحة الإنسان، فضلاً عن تلويثها للبيئة، مشكلات دفعت أصحاب الرأي لإيجاد واقتراح حلول، علّها تسهم في تقليل نسب التلوث والحد منها.
هنا يمكننا طرح بعض الأسئلة، منها، ماذا عن نقل محطات الكهرباء الحرارية والغازية من بغداد، إضافة إلى مصفى الدورة، إلى أطرافها؟ كيف يجري تخطيط بنائها الجديد؟ وهل كانت ضمن مناطق بلا سكان، أم أنها مأهولة بالبيوت والناس؟ ماذا عن تأثيراتها البيئية الخطيرة في الجو والماء والتربة؟ ماذا عن الإيعاز الحكومي وعودة المخطط الإنمائي الشامل لمدينة بغداد؟ “الشبكة العراقية” فتحت ملف عودة وسير تنفيذ هذا المخطط المهم.
تلوث وخطوات
د. علا التميمي، عضو مجلس محافظة بغداد، بدأت حديثها عن هذا الملف والمخطط بقولها: “جاءت التوصيات والقرارات من مجلس الوزراء برفع كل الوحدات الصناعية في مصفى الدورة، ضمن مخطط لنقله إلى أطراف بغداد في مناطق بعيدة عن الأحياء السكنية، العمل يشمل محطة الدورة الحرارية والغازية أيضاً، إضافة إلى محطة جنوب بغداد الحرارية والغازية ومحطة كهرباء الصدر.”
وعند سؤالها عن تبعات نقل مصفى الدورة أجابت التميمي: “خطوات النقل مدروسة وليست اعتباطية، عبر ربط الأنابيب بالمصدر الرئيس والخط الناقل (الباي بات) التابع للمصفى، ولا يمكن المضي بمخطط نقل المصفى لولا الإمكانية والتخطيط المدروس، وما له من آثار بيئية صحية على المواطن والبيئة.”
في حين تحدث د. علي عبد الزهرة اللامي، مستشار رئيس مجلس الوزراء لشؤون البيئة والمناخ لمجلة “الشبكة العراقية” إذ قال: “سابقا كان الكثير من المنشآت الخاصة بالنفط وتوليد الكهرباء سواء الحرارية أم الغازية على أطراف بغداد، لكن بعد التوسع العمراني باتت هذه المنشآت الصناعية في مركز بغداد. وأصبح تأثيرها واضحاً على الإنسان والبيئة، ولاسيما بما يتعلق بتلوث الهواء، لذلك بات من المناسب جداً نقل هذه المنشآت الصناعية ذات الحمل العالي من التلوث إلى خارج المركز الحضري للعاصمة بغداد. وهو إجراء سيؤدي إلى تخلص المدينة من انبعاثات ومطلقات خطيرة بيئياً.”
ما هو المخطط؟
المهندس محمد الربيعي، المدير العام لدائرة العلاقات والإعلام في أمانة بغداد، خص مجلة “الشبكة العراقية” بتفاصيل عودة هذا المخطط الإنمائي الشامل بمدينة بغداد، حين قال: “أهداف وخطط أمانة بغداد أن تكون العاصمة نظيفة بيئياً، الظروف التي مر بها البلد صعبة ومتراكمة. ومصفى الدورة ومحطة كهرباء الدورة الجنوبية كانا وما زالا ضمن خريطة بغداد البلدية، وهما خاضعان لمخطط الإنماء الانشائي الشامل الذي بدأ منذ سنة 1968 ومخطط له الانتهاء سنة 1972 ولم يكتمل. بعد ذلك، حددت الشركة البولندية (بول سيرفس) العمل على هذا المخطط لينطلق منذ سنة 1972 وصولاً للهدف والتنفيذ سنة 2000. أي أن من المفترض العمل خلال 30 سنة تقريباً. ومنذ عام 2000، اي سنة الهدف، كان على الأمانة والبلدية إطلاق المشروع، إلا أن توالي الحروب والحصار، وتعاقب الحكومات، وزيادة عدد السكان والعمران، حالت دون الاستمرار فيه.” مشيراً إلى أن “إحصائية وزارة التخطيط كانت تقول حينها إن 2,8 هي نسبة التوسع السكاني سنوياً حتى العام 2003، وإن الأمانة ارتأت وضع المخطط الإنمائي الشامل لبغداد على الطاولة في السنوات السابقة، ووقعت مع شركة لبنانية لعمل التخطيط الانمائي الذي يبدأ من سنة 2005 وصولاً إلى سنة الهدف 2015، لكن دخول العراق الحرب مع داعش أسهم في تباطؤ عمل الشركة، ما دعا أمانة بغداد للتراجع عن هذا المخطط.”
وأضاف (الربيعي): “عدنا اليوم إلى المخطط بعد أن شجعتنا حكومة الخدمات وأمين بغداد عمار موسى، ونحن جادون باستكماله، وأنزلنا (قانون التصميم الأساس لمدينة بغداد) من الرفوف، الذي خطط تصاميم بغداد من سنة 2020 وصولاً إلى سنة الهدف والتنفيذ سنة 2030.” موضحاً أن “هذا المخطط ينص على رفع المنشآت الصناعية والمعامل (الفينرهات)، أي الصناعات البترولية، ونقلها إلى خارج مدينة بغداد بحدودها البلدية، وربما يكون الموقع البديل لمصفى الدورة، جرف (النصر)، الصخر سابقاً.”
مراعاة ومعاناة..
وتحدثت آيات مؤيد، وهي باحثة بيئية، وإحدى أعضاء فريق البيت الأخضر قائلةً: “الخطوة مهمة في حال نفذت، لكن يجب مراعاة معايير أثر الجودة البيئية، إذ إن غالبية الانبعاثات تكون من جانبين، جانب الطاقة وجانب النقل، إضافة إلى قطاع البناء، وهي أهم مصادر الانبعاثات، وعليه فإنها في حالة نقلها خارج المدينة ستخفف دون شك تأثير هذه الانبعاثات الخطيرة، على أن تكون الأرض، التي ستكون شاغرة بعد رفع المصفى، مخصصةً للزراعة وليس لبناء المصانع والوحدات السكنية، كذلك نتمنى عند نقلها، مراعاة عدم وضعها في المناطق الريفية من أطراف بغداد، التي تعد مصدات وحماية للمدينة بيئياً، بل يجب أن توضع في مساحات خالية وشاسعة.”
حكمت ناظم، أحد سكنة مدينة الدورة المجاورة للمصفى، تحدث عما تعانيه مناطقهم وساكنوها من مخلفات هذه المنشآت الصناعية مثل تصاعد الدخان، ورائحة النفط والكبريت، التي تسبب الاختناق لأصحاب أمراض الربو والتحسس. في حين وصفت مسار علي، وهي تقطن في منزل قريب من محطة الدورة الحرارية، نهر دجلة، بالنهر الأسود، بسبب مخلفات هذه المنشآت، التي تتسبب بنفوق الأسماك، أما ما يجري اصطياده منها، فيكون مشبعاً برائحة النفط!